لعب الصقور دوراً مهماً في
تاريخ الشعوب العربية
وحضارتها الأصيلة
وموروثها العريق وخاصة في
دول الخليج العربية ، فمنذ
أن عرف الإنسان هذا الطائر
الجميل الفريد بشكله ونوعه
وفصيلته وخصائله .. أصبح
رمزاً للقوة والرفعة والصبر
والشجاعة ، ومن شدة
إعجاب الشعوب الخليجية
بهذا الطائر (( غالي الأثمان))
فقد عمم وانتشر ولاقى
إقبالاً وأصبح شعاراً للكثير
من الدول العربية وأصبح
موروثاً تراثياً أصيلاً .
حزين من الظـما ولا حزين من الشــتا يا طير
دخيل الريشتين اللي تعقك حل عن عيني
مساعد الرشيدي
يا طير ياللي جناحينك عراض وعظمك جلال
ويدينك خناجر يا أشــــقـــر الريـــــــش
نايــف صـــقــر
يذكر المؤرخين أن الحارث بن معاوية أول من اكتشف (( الصقارة ))
وكانت القصة عندما كان
الصقر ينقض من السماء على العصافير وأمسكت به الشبكة ومسكه
الحارث وأطعمه وأحسن تربيته
وتكونت علاقة حميمة بينه وبين الصقر الأسير فصار الصقر يعتاد الصيد
بإيعاز وحسب أوامر
صاحبه الحارث بن معاوية ومنذ ذلك الحين أصبح ترويض الصقور شائعاً
ورياضة فيها المتعة والفائدة ..
ويذكر التاريخ أن هارون الرشيد أول من سن التهادي (( بالصقور ))
حيث أصبح لديه عادة وتقليداً
بإهداء الصقور الثمينة لبعض الملوك والأمراء والأصدقاء .
ويذكر ممن كان من المغرمين والمولعين بالصيد أبا جعفر المنصور ،
الذي سأله ذات يوم أبا دلامة
كيف حبك للصيد ؟ فقال كحب المسجون للخلاص من القيد ، فقال
وأي الأشياء أحب إليك من الجوارح ؟
قال : أحب الصقر الطويل النفس الأسود الحبشي إذا صاد أشيع ,
,إذا أمات أوجع .. يصيد الكبير
ويعفو عن الصغير .
ومن هواة الصيد الملوك والأمراء والحكام في دول الخليج العربية
ومواطنيها لارتباط هذه الهواية
بالتراث والأصالة وتاريخ وجغرافية المنطقة ،
حيث أن منطقة الخليج يتكاثر بها طائر الحباري
بعد أن يستقر فيها المقام وأينما تجد الحباري تجد الصقور والعربي
المولع بالصيد والشعر والأدب .
لقد أحب الإنسان العربي الصقر ،
وقسمه لعدد كبير من الأقسام ، حسب نوعه وحجمه وذكائه
وسرعته وقوته ، ودخلت الصقور حياتنا منذ زمن بعيد ، وعاشت معنا
حياة طويلة استطاعت فيها
أن تؤكد أنه لا مناص من أن تظل ركناً أصيلاً في تاريخ حياتنا الاجتماعية
، وقد اكتسبت الصقور
مكانه اجتماعية راقية ، ساهمت بشكل كبير في صياغة أدبنا الشعبي
، بل صارت ملهمة للعديد من
الشعراء الذين أبدعوا في وصفها وحبها وتقدير مكانتها ..
يقول الأمير خالد الفيصل :
يا صقر واهنيك لك جناح تطير
لا طرالك نزعت وطرت يم الهوى
بين قلبي وبينك فرق والله كبيــر
لا كفخت انطلقت ولا كفخت التوى
ويقول في قصيدة أخرى :
ســـتـــل جــنــاحــه ثــم حـــام
يــرقــى عــلــى مــتن الــهـــــــوى
يــزفـــــــــــه بعــــــيــــدٍ وأنا
مـــحــــدود فــي حــــــــد الــنظـــــر
إن الذي ميز الصقور عن غيرها من الطيور هي صفاتها الرجولية التي
جعلت أهلنا في البادية وفي
كافة أنحاء العروبة يحبون الصقور ، فالصقر شجاع والشجاعة صفة
محبوبة لدى العرب ، وكريم
يتنزه عن الصغائر ولا يطلب إلا العلا . ولا يأكل إلا فريسته التي يصطادها
بنفسه ، ويترفع عن
(( فتافيت الطعام )) والصيد الرخيص ، يسكن أعلى الجبال بعيداً في
كبرياء وفخر وعزة نفس ، لهذا
أحبه العرب وتمثلوا فيه كما بقول الأمير بدر :
يــنــزع الــحــر للــعـــــــالي الــمــنــيــف
عـــــادة الــحــر للــطـامــن يعـــاف
فالصقر يرتفع عن الأماكن المنخفضة ، ويعاف عن صغائر الصيد ورخيصه،
وهذه العزة والكبرياء
من الصقر ، جعلت له مكانة خاصة لدى الرجل العربي ، فأحب الصقر
وامتدحه وعاش معه ، وأصبح
جزءاً من حياته الاجتماعية ..
يقول الشاعر حماد القريني في رثاء أحد صقوره :
الا والــلــه الى غـــــــــد عـــــمـــــاش
جـــاه الــظـــما وأحـــرم الــعــــودي
كـــان فــرقــى الضــحـــى تــنــهـــاش
با هــوش واحـــيب مجــهـــــــــودي
وكم تغزل العرب قديماً وحديثاً في الصقر وتباروا في ذلك ،
ولذلك وجد الصقر حيزاً كبيراً في الشعر
الجاهلي والنبطي والحديث .
يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم :
قــلــبي خــــفـق بين الـمــعـــــــالـيــج
خفق الذي مــقــبــوض بــســبــوق
والسبق أو السبوق هي الخيوط التي يتم تثبيت طرفها في رجلي
الصقر وتكون نهاياتها مصنوعة من الجلد الخالص ، وحتى لا تؤذي رجلي
الصقر في أثناء الحركة تثبت قطعتا الجلد في رجلي الصقر ومنهما يظهر
الخيطان اللذان يلتقيان بدورهما في عقدة واحدة ذات خيط متين يظهر
به الصقر عند فكه : أما عندما (( يسبق )) الصقر بعد أن يصيد فريسته
يربط ذلك الخيط بالمرسل لمنعه من الحركة .
والسبوق خيط كانت تصنع من القطن (( المبروم )) حيث تستخدم
لتوثيق أرجل الصقر الذي قد يلفت
انتباهه شيء ما على الأرض أو في الجو فيَهم مندفعاً نحوه ، وهذه
الخيوط تحكم حركة الصقر فلا
يستطيع أن ينطلق إلا بأمر صقّاره .
ويعتبر الصقر (( ركن أساسي )) في حياة الصيد التي أحبها العرب
وتوارثوها جيلاً بعد جيل .. وهو
ضمن أهم منظومة في البادية ، البر، حيث الفضاء الرحب والمرتفعات
والجبال والأفق الممتد إلى
الأفق ، وما على الصقر إلا أن يدربه صقّاره منذ الصغر على القنص
والشراسة ومطاردة فريسته دون هوادة حتى ينال منها ، وهذه الروح
والهمة العالية يتبادلها الاثنان : الصقر والصقّار .
يقول الشاعر مفرج الغانم :
يا طــيري يا طيــر لــسعــد ياللي تــلــف الــجــنــاح
لا واهــنـيـك ليــا ضـاقــت عــلـيـك الأرض خلــيتـهـا
والصقور التي تضيق بها الأرض ،
وتحن إلى المرتفعات والعلا ، هي التي حبّبت العرب في حياتهم
، وجعلتهم يتقربون منها علهم يكتسبون بعض ما فيها من
أنواع الصقور
تذكر المصادر بأن أول من صاد بالصقر هو الحارث بن معاوية بن ثور الكندي ،
حيث يذكر بأنه وقف يوماً على صياد نصب شبكة للعصافير فانقض
صقر على عصفور وأخذ يأكله والحارث يتعجب منه .
فأمر به ووضع في بيت ووكل به من يطعمه ويدربه على الصيد ،
وبينما هو معه ذات يوم إذ لاحت أرنب فطار الصقر إليها فأخذها
فتعلق قلب الحارث به وأحبه ،
واتخذته العرب من بعده وسيـلة للصيد .
وتحمد العرب من الصقور ما قرنس وحشياً ،
وتذم ما قرنس داجناً ويقولون ( أنه تبلد ) .
أولاً :- الشاهين ( شيهان )
وجمعه شواهين وقد يجمع على شياهين .
وتسميه العرب بمُلاعب ظله ،
وأصل كلمة شاهين فارسي وتعني الميزان وسمي
بذلك لأنه كالميزان لا يحتمل نقص في طعامه وقد يقتل
نفسه إن لم يجد طعام .
ويتميز الشاهين بصلابة العظام ورحابة الصدر وعرض الوسط وقصير
الساقين قليل الريش رقيق الذنب ، كما يتميز بقوة الانقضاض من أعلى ،
وهذا ما يجعله دائماً عرضة للخطر إذ قد ينقض من أعلى فيصطدم
بالأرض ويموت ،وهو حاد المزاج متقلب .
وتذكر المصادر التاريخية بأن أول من إصطاد بالشاهين الملك قسطنطين
ملك عمورية فقد روضت الشياهين له لكي تظلله إذا سار بموكبه
فكانت تحوم على رأسه وتنحدر مرة وترتفع مرة ،
إلى أن ثار يوماً طائراً من الأرض فانقضت عليه بعض الشياهين ،
فأعجب الملك هذا فأخذها ودربها على الصيد .
ويسمى الشاهين بالآبق ، لأنه إن بات بعيداً عن صاحبه لليلة واحدة
فقط يصبح بدون فائدة .
أنواع الشياهين :-
الشياهين أقسام من حيث مكان تفريخه، فمنها ما يسمى البحرية
وهي ما تفرخ بالقرب من السواحل ،
وتسمى الأخرى بالكوستانيات .
كما تقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث النوع وهي الشاهين –
والأنيقي – والقطامي .
والشاهين هو ما سبق الحديث عنه ،
أما الأنيقي فهو ( ويسميه البعض الكرك )
فهو دون الشاهين في القوة إلا أنه سريع ،
ويقول به أحد الشعراء :
غنيت عن الجوارح بالأنيقي بمثل الريح أو لمع البروق ِ
أما القطامي ( وقد يسمى البهرجة ) فهو قريب الطبع من الشيهان ،
وهو نادر الوجود .
ثانياً :- الحر
ويقال له الأجدل والأكدر والهيثم والمضرحي والأسفع والزهدم ،
وقد يقال له القطامي أيضاً لقطمة اللحم بمنسره .
ويكنى بأبو شجاع وأبو عمران وأبو عوان .
وتنقسم فراخ الحرار إلى أنواع بحسب الصفات وهي :
- النادر :
ويتميز بالقوة والشدة ويكثر الطلب عليه فهو مرغوبا من قبل الصقارين.
- اللزيز :
وهو أقل قيمة من النادر .
- التبع :
وغالباً يكون ذكر وليس له قيمة تذكر وغير مرغوب .
وتقسم كبار الصقور بحسب الصفات كالتالي :
- حر كامل :
ويشمل النادر واللزيز .
- حر مثولث :
ويقصد به المحقورة ( الكوبج ) .
- حر ربع :
وهو التبع .
تربية الصقور وتدريبها
تدريب الجوارح مهمة ليست سهلة،فهي شاقةتحتاج لصبر طويل،وتختلف
أساليب التدريب من مدرب لآخر ومن طير لآخر،فقد تجد صقاراً قد توارث
طريقة معينة عن اسلافه لا يغيرها،كما أن الطائر الكبير في السن يحتاج
لوقت طويل حتى يتم تدريبه.
يدرب الجارح عن طريق تغطية عينيه بالبرقع ( أو بتخييطهما ) لأيام
حتى يهدأ ، ثم تفتح حتى يرى النور ويعامل برفق حتى يأنس ويتعود
على من حوله ، وقد يرش عليه شيء من الماء البارد إذا كان كثير
الضرب بجناحيه .
ثم يدعى بإسم معين يكنى به ويدعى وهو مربوط ليأكل حمامة فإذا
جاء يشبع منها ، ويكرر هذا بعد يوم فإن جاء تخفى الحمامة ويصاح به
فإن ولى والتفت مرة اخرى لمدربه من بعيد ترمى له الحمامة ويترك ي
يشبع ، ويكرر هذا لعدة أيام ثم يخرج به للفضاء ويدرب كما درب في أول
الأمر وكلما أخذ الحمامه يُشبع منها .
كل هذا وهو مشدود بالحبل ... ثم يطلق من الحبل وتطلق له
الحمامه حتى يصطادها .
وقد يدرب الصقر عن طريق ما يعرف بالملواح ، وهو جناحي طائر معين
محنطين ، ويتحدد نوع الجناحين بحسب نوع ما يراد للطائر أن يتعود على
صيده فإن كان مثلاً يراد منه صيد طائر الحبارا يكون الملواح عبارة عن
جناحي طائر الحبارا ، حيث يلوح به عالياً كي يتابعه الصقر فإن انقض
عليه يدس له قطع اللحم بين الجناحين دون أن يلحظ هذا ، ويكرر هذا
الأسلوب على مرتين يومياً .